فصل: أحكام التّطوّع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تضبيب

التّعريف

1 - التّضبيب والضّبّ في اللّغة‏:‏ تغطية الشّيء وإدخال بعضه في بعض وقيل‏:‏ هو شدّة القبض على الشّيء، لئلّا ينفلت من اليد‏.‏ ويقال‏:‏ ضبّب الخشب بالحديد أو الصّفر‏:‏ إذا شدّه به، وضبّب أسنانه شدّها بذهب أو فضّة أو غيرهما‏.‏

والضّبّة‏:‏ حديدة عريضة يضبّب بها الباب ويشعّب بها الإناء عند التّصدّع‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ للتّضبيب لا يختلف عن المعنى اللّغويّ في شيء‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجبر‏:‏ من معانيه أن يغنى الرّجل من فقر، أو يصلح عظمه من كسر‏.‏

ب - الوصل‏:‏ من وصل الثّوب أو الخفّ وصلة‏.‏

ج - التّشعيب‏:‏ وهو جمع الشّيء وضمّ بعضه إلى بعض، أو تفريقه، فهو من الأضداد‏.‏ التّطعيم‏:‏ مصدر طعّم، وأصله طعّم، يقال‏:‏ طعّم الغصن أو الفرع‏:‏ قبل الوصل بغصن من غير شجره وطعّم كذا بعنصر كذا لتقويته أو تحسينه، أو اشتقاق نوع آخر منه‏.‏

وطعّم الخشب بالصّدف ركّبه فيه للزّخرفة والزّينة‏.‏

وعند الفقهاء هو‏:‏ أن يحفر في إناء من خشب أو غيره حفراً، ويضع فيها قطعاً من ذهب أو فضّة ونحوهما على قدر الحفر‏.‏ فالفرق بين التّضبيب والتّطعيم‏:‏ أنّ التّضبيب يكون للإصلاح، أمّا التّطعيم فلا يكون إلّا بالحفر، وهو للزّينة غالباً‏.‏

6 - التّمويه‏:‏ هو الطّلاء بماء الذّهب أو الفضّة ونحوهما‏.‏

الحكم التّكليفيّ

7 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّضبيب واستعمال المضبّب بذهب أو فضّة، لأنّه تابع للمباح، وهو باقي الإناء، فأشبه المضبّب باليسير‏.‏ ولكنّه مكروه عندهم‏.‏ ولكن عليه أن يجتنب في النّصل والقبضة واللّجام موضع اليد‏.‏

وفي الشّرب من الإناء المضبّب يتّقي مسّ الضّبّة بالفم‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ المراد بالاتّقاء‏:‏ الاتّقاء بالعضو الّذي يقصد الاستعمال به، وفي ذلك خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه‏.‏ ينظر في المطوّلات‏.‏ وسيأتي تفصيل أحكام التّضبيب في مصطلحي ‏(‏ذهب، فضّة، آنية‏)‏‏.‏

وأمّا المالكيّة‏:‏ فقد ذهبوا - في الرّاجح عندهم - إلى حرمة ذلك كلّه، يستوي عندهم‏:‏ الفضّة والذّهب، والصّغيرة والكبيرة، لحاجة أو لغير حاجة‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ تضبيب الإناء بذهب حرام مطلقا، وتضبيبه بضبّة كبيرة عرفا من الفضّة - لغير حاجة بأن كانت لزينة - حرام كذلك‏.‏

فإن كانت الضّبّة الفضّيّة صغيرة لحاجة الإناء إلى الإصلاح لم تكره، لما روى البخاريّ

«أنّ قدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم انكسر فاتّخذ مكان الشّعب سلسلة من فضّة»‏.‏

وإن كانت الضّبّة فوق الحاجة - وهي صغيرة، أو كبيرة لحاجة - كرهت في الأصحّ‏.‏ وفي ذلك تفصيل أتمّ ينظر في مصطلح ‏(‏ذهب - فضّة - آنية‏)‏‏.‏

تضمير

التّعريف

1 - التّضمير لغة‏:‏ من الضّمر بسكون الميم والضّمر ‏(‏بضمّها‏)‏ بمعنى‏:‏ الهزال ولحاق البطن‏.‏ وهو‏:‏ أن تعلف الخيل حتّى تسمن وتقوى، ثمّ يقلّل علفها، فتعلف بقدر القوت، وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتّى تحمى فتعرق، فإذا جفّ عرقها، خفّ لحمها، وقويت على الجري‏.‏ ومدّة التّضمير عند العرب أربعون يوما، وتسمّى هذه المدّة، وكذلك الموضع الّذي تضمر فيه الخيل مضماراً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - السّباق‏:‏

2 - السّباق والمسابقة بمعنى‏.‏ يقال‏:‏ سابقه مسابقة وسباقا‏.‏ والسّباق مأخوذ من السّبق بسكون الباء، بمعنى‏:‏ التّقدّم في الجري وفي كلّ شيء‏.‏

وأمّا السّبق بالفتح فمعناه‏:‏ الجعل الّذي يسابق عليه‏.‏

والعلاقة بينه وبين التّضمير‏:‏ أنّ عمليّة التّضمير تتّخذ في بعض الأحيان لأجل إحراز التّقدّم في السّباق‏.‏

حكمه الإجماليّ ومواطن البحث

3 - يرى جمهور الفقهاء إباحة تضمير الخيل مطلقاً، واستحباب تضميرها إذا كانت معدّة للغزو‏.‏ وورد في هذا الباب أحاديث كثيرة منها‏:‏

حديث نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ «سابق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين الخيل الّتي قد ضمّرت فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنيّة الوداع‏.‏ فقلت لموسى بن عقبة‏:‏ فكم كان بين ذلك‏؟‏ قال ستّة أميال أو سبعة‏.‏ وسابق بين الخيل الّتي لم تضمّر، فأرسلها من ثنيّة الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق‏.‏ قلت‏:‏ فكم بين ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ميل أو نحوه‏.‏ فكان ابن عمر ممّن سابق فيها»‏.‏ وبهذا الحديث ونحوه يندفع قول من قال‏:‏ إنّ تضمير الخيل لا يجوز، لما فيه من مشقّة سوقها‏.‏

وأمّا اشتراط تضمير الخيل للسّبق، وجواز السّباق بين الخيل المضمّرة وغير المضمّرة، والمغايرة بين غاية السّباق للخيل المضمّرة وغيرها، ففيها خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ‏(‏سباق‏)‏ وإلى مواطنها من كتب الفقه‏.‏

تطبيب

التّعريف

1 - للتّطبيب في اللّغة معان، منها وهو المراد هنا‏:‏ أنّه المداواة‏.‏ يقال‏:‏ طبّب فلان فلاناً‏:‏ أي داواه‏.‏ وجاء يستطبّ لوجعه‏:‏ أي يستوصف الأدوية أيّها يصلح لدائه‏.‏

والطِّبُّ‏:‏ علاج الجسم والنّفس، ورجل طَبُّ وطبيب‏:‏ عالم بالطّبّ‏.‏

والطَّبُّ‏.‏ والطُّبُّ‏:‏ لغتان في الطِّبّ‏.‏ وتطبَّب له‏:‏ سأل له الأطبّاء‏.‏

والطّبيب في الأصل‏:‏ الحاذق بالأمور العارف بها، وبه سمّي الطّبيب الّذي يعالج المرضى ونحوهم‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّداوي‏:‏

2 - التّداوي‏:‏ تعاطي الدّواء، ومنه المداواة أي المعالجة‏:‏ يقال‏:‏ فلان يُدَاوَى‏:‏ أي يُعالَج‏.‏ والفرق بين التّطبيب والتّداوي‏:‏ أنّ التّطبيب تشخيص الدّاء ومداواة المريض، والتّداوي تعاطي الدّواء‏.‏

حكمه التّكليفيّ

3 - التّطبيب تعلُّماً من فروض الكفاية، فيجب أن يتوفّر في بلاد المسلمين من يعرف أصول حرفة الطّبّ، وينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏احتراف‏)‏‏.‏

أمّا التّطبيب مُزاولةً فالأصل فيه الإباحة‏.‏ وقد يصير مندوبا إذا اقترن بنيّة التّأسّي بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم في توجيهه لتطبيب النّاس، أو نوى نفع المسلمين لدخوله في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَحْياها فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعَاً‏}‏ وحديث‏:‏ «من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْينفعه»‏.‏ إلا إذا تعيّن شخص لعدم وجود غيره أو تعاقد فتكون مزاولته واجبة‏.‏

ويدلّ لذلك ما روى «رجل من الأنصار قال‏:‏ عاد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رجلاً به جرح، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ادعوا له طبيب بني فلان‏.‏ قال‏:‏ فدعوه فجاء، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه، ويغني الدّواء شيئاً‏؟‏ فقال‏:‏ سبحان اللّه‏.‏ وهل أنزل اللّه من داء في الأرض إلا جعل له شفاء»‏.‏

وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّقى‏.‏ فجاء آل عمرو بن حزم، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنّك نهيت عن الرّقى‏.‏ قال‏:‏ فعرضوها عليه‏.‏ فقال‏:‏ ما أرى بها بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه»‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيها شرك»‏.‏ ولما ثبت من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه تداوى، فقد روى الإمام أحمد في مسنده «أنّ عروة كان يقول لعائشة رضي الله عنها‏:‏ يا أمّتاه، لا أعجب من فهمك‏.‏ أقول‏:‏ زوجة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بنت أبي بكر‏.‏ ولا أعجب من علمك بالشّعر وأيّام النّاس، أقول‏:‏ ابنة أبي بكر، وكان أعلم النّاس أو من أعلم النّاس‏.‏ ولكن أعجب من علمك بالطّبّ، كيف هو‏؟‏ ومن أين هو‏؟‏ قال فضربتْ على منكبه وقالت‏:‏ ‏"‏ أي عُرَيّة‏؟‏ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، فكانت تقدم عليه وفود العرب من كلّ وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها، فمن ثمّ»‏.‏ وفي رواية «أنّ رسول اللّه كثرت أسقامه، فكان يقدم عليه أطبّاء العرب والعجم، فيصفون له فنعالجه»‏.‏ وقال الرّبيع‏:‏ سمعت الشّافعيّ يقول‏:‏ العلم علمان‏:‏ علم الأديان وعلم الأبدان‏.‏

نظر الطّبيب إلى العورة

4 - اتّفق الفقهاء على جواز نظر الطّبيب إلى العورة ولمسها للتّداوي‏.‏

ويكون نظره إلى موضع المرض بقدر الضّرورة‏.‏ إذ الضّرورات تقدّم بقدرها‏.‏ فلا يكشف إلا موضع الحاجة، مع غضّ بصره ما استطاع إلّا عن موضع الدّاء‏.‏

وينبغي قبل ذلك أن يعلّم امرأة تداوي النّساء، لأنّ نظر الجنس إلى الجنس أخفّ‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى‏:‏ أنّه إذا كان الطّبيب أجنبيّاً عن المريضة فلا بدّ من حضور ما يؤمن معه وقوع محظور‏.‏

لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان»‏.‏

واشترط الشّافعيّة عدم وجود امرأة تحسن التّطبيب إذا كان المريض امرأة، ولو كانت المرأة المداوية كافرة، وعدم وجود رجل يحسن ذلك إذا كان المريض رجلا‏.‏ كما شرطوا أن لا يكون غير أمين مع وجود أمين، ولا ذمّيّا مع وجود مسلم، أو ذمّيّة مع وجود مسلمة‏.‏ قال البلقينيّ‏:‏ يقدّم في علاج المرأة مسلمة، فصبيّ مسلم غير مراهق، فمراهق، فكافر غير مراهق، فمراهق، فامرأة كافرة، فمحرم مسلم، فمحرم كافر، فأجنبيّ مسلم، فكافر‏.‏ واعترض ابن حجر الهيثميّ على تقديم الكافرة على المحرم‏.‏ وقال‏:‏ والّذي يتّجه تقديم نحو محرم مطلقا على كافرة، لنظره ما لا تنظر هي‏.‏

ونصّ الشّافعيّة كذلك على تقديم الأمهر مطلقا ولو من غير الجنس والدّين على غيره‏.‏ ونصّوا على أنّه إن وجد من لا يرضى إلّا بأكثر من أجرة المثل فإنّه يكون كالعدم حينئذ حتّى لو وجد كافر يرضى بدونها ومسلم لا يرضى إلّا بها احتمل أنّ المسلم كالعدم‏.‏ وصرّح المالكيّة بأنّه لا يجوز النّظر إلى فرج المرأة إلّا إذا كان لا يتوصّل إلى معرفة ذلك إلا برؤيته بنفسه‏.‏ أمّا لو كان الطّبيب يكتفي برؤية النّساء لفرج المريضة فلا يجوز له النّظر إليه‏.‏

استئجار الطّبيب للعلاج

5 - اتّفق الفقهاء على جواز استئجار الطّبيب للعلاج، لأنّه فعل يحتاج إليه ومأذون فيه شرعاً، فجاز الاستئجار عليه كسائر الأفعال المباحة‏.‏

غير أنّ الشّافعيّة شرطوا لصحّة هذا العقد أن يكون الطّبيب ماهراً، بمعنى أن يكون خطؤه نادراً، ويكفي في ذلك التّجربة عندهم، وإن لم يكن ماهرا في العلم‏.‏

واستئجار الطّبيب يقدّر بالمدّة لا بالبرء والعمل، فإن تمّت المدّة وبرئ المريض أو لم يبرأ فله الأجرة كلّها‏.‏ وإن برئ قبل تمام المدّة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدّة لتعذّر استيفاء المعقود عليه، وكذا الحكم لو مات المريض في أثناء المدّة‏.‏

وقد نصّ الحنابلة على أنّه لا يصحّ اشتراط الدّواء على الطّبيب، وهو قول عند المالكيّة لما فيه من اجتماع الجعل والبيع‏.‏ وعند المالكيّة قول آخر بالجواز‏.‏

والطّبيب يستحقّ الأجرة بتسليمه نفسه مع مضيّ زمن إمكان المداواة، فإن امتنع المريض من العلاج مع بقاء المرض استحقّ الطّبيب الأجر، ما دام قد سلّم نفسه، ومضى زمن المداواة، لأنّ الإجارة عقد لازم وقد بذل الطّبيب ما عليه‏.‏

وأمّا إذا سلّم الطّبيب نفسه وقبل مضيّ زمن إمكان المداواة سكن المرض، فجمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة - متّفقون على انفساخ الإجارة حينئذ‏.‏

6 - ولا تجوز مشارطة الطّبيب على البرء‏.‏ ونقل ابن قدامة عن ابن أبي موسى الجواز، إذ قال‏:‏ لا بأس بمشارطة الطّبيب على البرء، لأنّ أبا سعيد الخدريّ رضي الله عنه حين رقى الرّجل شارطه على البرء‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ إنّه الصّحيح إن شاء اللّه، لكن يكون جعالة لا إجارة، فإنّ الإجارة لا بدّ فيها من مدّة أو عمل معلوم‏.‏ وأجاز ذلك المالكيّة أيضا، ففي الشّرح الصّغير‏:‏ لو شارطه طبيب على البرء فلا يستحقّ الأجرة إلا بحصوله‏.‏

وسبق تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إجارة‏)‏‏.‏

وإذا زال الألم وشفي المريض قبل مباشرة الطّبيب كان عذراً تنفسخ به الإجارة‏.‏

يقول ابن عابدين‏:‏ إذا سكن الضّرس الّذي استؤجر الطّبيب لخلعه، فهذا عذر تنفسخ به الإجارة، ولم يخالف في ذلك أحد، حتّى من لم يعتبر العذر موجبا للفسخ، فقد نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من استأجر رجلاً ليقلع له ضرساً فسكن الوجع، أو ليكحّل له عينا فبرئت قبل أن يقوم بالعمل، انفسخ العقد لتعذّر استيفاء المعقود عليه‏.‏

ضمان الطّبيب لما يتلفه

7 - يضمن الطّبيب إن جهل قواعد الطّبّ أو كان غير حاذق فيها، فداوى مريضاً وأتلفه بمداواته، أو أحدث به عيباً‏.‏ أو علم قواعد التّطبيب وقصّر في تطبيبه، فسرى التّلف أو التّعييب‏.‏ أو علم قواعد التّطبيب ولم يقصّر ولكنّه طبّب المريض بلا إذن منه‏.‏ كما لو ختن صغيراً بغير إذن وليّه، أو كبيراً قهراً عنه، أو وهو نائم، أو أطعم مريضاً دواء قهراً عنه فنشأ عن ذلك تلف وعيب، أو طبّب بإذن غير معتبر لكونه من صبيّ، إذا كان الإذن في قطع يد مثلا، أو بعضد أو حجامة أو ختان، فأدّى إلى تلف أو عيب، فإنّه في ذلك كلّه يضمن ما ترتّب عليه‏.‏ أمّا إذا أذن له في ذلك، وكان الإذن معتبرا، وكان حاذقا، ولم تجن يده، ولم يتجاوز ما أذن فيه، وسرى إليه التّلف فإنّه لا يضمن، لأنّه فعل فعلا مباحا مأذونا فيه‏.‏ ولأنّ ما يتلف بالسّراية إن كان بسبب مأذون فيه - دون جهل أو تقصير - فلا ضمان‏.‏ وعلى هذا فلا ضمان على طبيب وبزّاغ ‏(‏جرّاح‏)‏ وحجّام وختّان ما دام قد أذن لهم بهذا ولم يقصّروا، ولم يجاوزوا الموضع المعتاد، وإلا لزم الضّمان‏.‏

يقول ابن قدامة‏:‏ إذا فعل الحجّام والختّان والمطبّب ما أمروا به، لم يضمنوا بشرطين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم، فإذا لم يكونوا كذلك كان فعلا محرّما، فيضمن سرايته‏.‏

الثّاني‏:‏ ألا يتجاوز ما ينبغي أن يقطع، فإن كان حاذقاً وتجاوز، أو قطع في غير محلّ القطع، أو في وقت لا يصلح فيه القطع وأشباه هذا، ضمن فيه كلّه، لأنّه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ، فأشبه إتلاف المال‏.‏

وكذلك الحكم في القاطع في القصاص وقاطع يد السّارق‏.‏ ثمّ قال‏:‏ لا نعلم فيه خلافا‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ إذا ختن الخاتن صبيّا، أو سقى الطّبيب مريضا دواء، أو قطع له شيئا، أو كواه فمات من ذلك، فلا ضمان على واحد منهما لا في ماله ولا على عاقلته، لأنّه ممّا فيه تغرير، فكأنّ صاحبه هو الّذي عرّضه لما أصابه‏.‏ وهذا إذا كان الخاتن أو الطّبيب من أهل المعرفة، ولم يخطئ في فعله‏.‏ فإذا كان أخطأ في فعله - والحال أنّه من أهل المعرفة - فالدّية على عاقلته‏.‏

فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب‏.‏ وفي كون الدّية على عاقلته أو في ماله قولان‏:‏

الأوّل‏:‏ لابن القاسم‏.‏ والثّاني‏:‏ لمالك‏.‏ وهو الرّاجح لأنّ فعله عمد، والعاقلة لا تحمل العمد‏.‏

وفي القنية‏:‏ سئل محمّد نجم الدّين عن صبيّة سقطت من سطح، فانفتح رأسها، فقال كثير من الجرّاحين‏:‏ إن شققتم رأسها تموت‏.‏ وقال واحد منهم‏:‏ إن لم تشقّوه اليوم تموت، وأنا أشقّه وأبرئها، فشقّه فماتت بعد يوم أو يومين‏.‏ هل يضمن‏؟‏ فتأمّل مليّا ثمّ قال‏:‏ لا، إذا كان الشّقّ بإذن، وكان الشّقّ معتادا، ولم يكن فاحشا خارج الرّسم – أي العادة -‏.‏ قيل له‏:‏ فلو قال‏:‏ إن ماتت فأنا ضامن، هل يضمن‏؟‏ فتأمّل مليّا، ثمّ قال‏:‏ لا‏.‏ فلم يعتبر شرط الضّمان، لأنّ شرطه على الأمين باطل على ما عليه الفتوى‏.‏

وفي مختصر الطّحاويّ‏:‏ من استؤجر على عبد يحجمه، أو على دابّة يبزّغها، ففعل ذلك فعطبا بفعله، فلا ضمان عليه، لأنّ أصل العمل كان مأذونا فيه، فما تولّد منه لا يكون مضمونا عليه إلّا إذا تعدّى، فحينئذ يضمن‏.‏

وكذلك إذا كان في يده آكلة، فاستأجر رجلا ليقطع يده فمات، فلا ضمان عليه‏.‏ ومن استؤجر ليقلع ضرسا لمريض، فأخطأ، فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه، لأنّه من جنايته‏.‏ وإن أخطأ الطّبيب، بأن سقى المريض دواء لا يوافق مرضه، أو زلّت يد الخاتن أو القاطع فتجاوز في القطع، فإن كان من أهل المعرفة ولم يغرّ من نفسه فذلك خطأ - أي تتحمّله عاقلته - إلا أن يكون أقلّ من الثّلث ففي ماله‏.‏ وإن كان لا يحسن، أو غرّ من نفسه فيعاقب‏.‏ ومن أمر ختّانا ليختن صبيّا، ففعل الختّان ذلك فقطع حشفته، ومات الصّبيّ من ذلك، فعلى عاقلة الختّان نصف دية، لأنّ الموت حصل بفعلين‏:‏ أحدهما‏:‏ مأذون فيه، وهو قطع القلفة‏.‏ والآخر‏:‏ غير مأذون فيه، وهو قطع الحشفة، فيجب نصف الضّمان‏.‏ أمّا إذا برئ، جعل قطع الجلدة - وهو مأذون فيه - كأن لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه، فوجب ضمان الحشفة كاملا، وهو الدّية‏.‏

تطبيق

التّعريف

1 - التّطبيق في اللّغة‏:‏ مصدر طبّق، ومن معانيه‏:‏ المساواة والتّعميم والتّغطية قال في المصباح‏:‏ وأصل الطّبق‏:‏ الشّيء على مقدار الشّيء مطبقا له من جميع جوانبه كالغطاء له ويقال‏:‏ طبّق السّحاب الجوّ‏:‏ إذا غشّاه، وطبّق الماء وجه الأرض‏:‏ إذا غطّاه، وطبّق الغيم‏:‏ عمّ بمطره‏.‏ وهو في الاصطلاح الفقهيّ‏:‏ أن يجعل المصلّي بطن إحدى كفّيه على بطن الأخرى، ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - يرى جمهور الفقهاء كراهة التّطبيق في الرّكوع‏.‏ واحتجّوا بما روي «عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال‏:‏ صلّيت إلى جنب أبي، فطبّقت بين كفّيّ، ثمّ وضعتهما بين فخذيّ، فنهاني أبي وقال‏:‏ كنّا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الرّكب»‏.‏ ومن المعروف أنّ قول الصّحابيّ‏:‏ كنّا نفعل، وأمرنا ونهينا، محمول على أنّه مرفوع‏.‏ واستدلّوا أيضا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه‏:‏ «إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك، وفرّج بين أصابعك»‏.‏

قال النّوويّ في شرح صحيح مسلم‏:‏ وذهب عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه وصاحباه علقمة والأسود إلى أنّ السّنّة التّطبيق، فقد أخرج مسلم عن «علقمة والأسود أنّهما دخلا على عبد اللّه رضي الله عنه فقال‏:‏ أصلّي من خلفكم‏؟‏ قالا‏:‏ نعم‏.‏ فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثمّ ركعنا، فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثمّ طبّق بين يديه، ثمّ جعلهما بين فخذيه، فلمّا صلّى قال‏:‏ هكذا فعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم»‏.‏ قال العينيّ‏:‏ وأخذ بذلك إبراهيم النّخعيّ وأبو عبيدة‏.‏

وعلّل النّوويّ فعلهم‏:‏ بأنّه لم يبلغهم النّاسخ، وهو حديث مصعب بن سعد المتقدّم‏.‏

تطفّل

التّعريف

1 - التّطفّل في اللّغة‏:‏ مصدر تطفّل‏.‏ يقال‏:‏ هو متطفّل في الأعراس والولائم أي‏:‏ هو طفيليّ‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ الطّفيليّ‏:‏ هو الّذي يدخل على القوم من غير أن يدعوه‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن هذا المعنى‏.‏ فقد عرّفه في نهاية المحتاج‏:‏ بدخول الشّخص لمحلّ غيره لتناول طعامه بغير إذنه ولا علم رضاه، أو ظنّه بقرينة معتبرة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الضّيف‏:‏

2 - الضّيف في اللّغة‏:‏ النّزيل الزّائر‏.‏ وأصله مصدر ضاف، ولذا يطلق على الواحد وغيره، ومن ذلك قوله تعالى ‏{‏قالَ‏:‏ إِنَّ هَؤلاءِ ضَيفِي فَلا تَفْضَحُون‏}‏ وتجوز المطابقة، فيقال‏:‏ هذان ضيفان‏.‏ أمّا ‏(‏الضّيفن‏)‏ فهو من يجيء مع الضّيف متطفّلا، فالضّيفن أخصّ من الطّفيليّ، ويطلق على الدّاخل على القوم في شرابهم بلا دعوة ‏(‏الواغل‏)‏‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء‏:‏ الضّيف‏:‏ هو من حضر طعام غيره بدعوته ولو عموما، أو بعلم رضاه وضدّ الضّيف الطّفيليّ‏.‏

ب - الفضوليّ‏:‏

3 - الفضوليّ‏:‏ من الفضول، جمع فضل‏.‏ وقد استعمل الجمع استعمال الفرد فيما لا خير فيه‏.‏ ولهذا نسب إليه على لفظه، فقيل فضوليّ‏:‏ لمن يشتغل بما لا يعنيه‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هو التّصرّف عن الغير بلا إذن ولا ولاية‏.‏ وأظهر ما يكون في العقود‏.‏ أمّا التّطفّل فأكثر ما يكون في المادّيّات، وقد يستعمل في المعنويّات‏.‏

الحكم التّكليفيّ للتّطفّل

4 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - وهو المتبادر من أقوال الحنفيّة - أنّ حضور طعام الغير بغير دعوة، وبغير علم رضاه حرام، بل يفسّق به إن تكرّر‏.‏ لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من دعي فلم يجب فقد عصى اللّه ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقاً، وخرج مغيراً» فكأنّه شبّه دخوله على الطّعام الّذي لم يدع إليه بدخول السّارق الّذي يدخل بغير إرادة المالك، لأنّه اختفى بين الدّاخلين‏.‏ وشبّه خروجه بخروج من نهب قوماً، وخرج ظاهرا بعدما أكل‏.‏ بخلاف الدّخول، فإنّه دخل مختفيا، خوفا من أن يمنع، وبعد الخروج قد قضى حاجته، فلم يبق له حاجة إلى التّستّر‏.‏ وصرّح الشّافعيّة أنّ من التّطفّل‏:‏ أن يدعى عالم أو صوفيّ، فيحضر جماعته من غير إذن الدّاعي ولا علم رضاه بذلك‏.‏ ويرى بعض الفقهاء‏:‏ أنّه إذا عرف من حال المدعوّ أنّه لا يحضر إلا ومعه أحد ممّن يلازمه يعتبر ذلك كالإذن، والتّفصيل في مصطلح ‏(‏دعوة‏)‏‏.‏

شهادة الطّفيليّ

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ الطّفيليّ - إن تكرّر تطفّله - تردّ شهادته للحديث المذكور، ولأنّه يأكل محرّما، ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة‏.‏

قال ابن الصّبّاغ‏:‏ وإنّما اشترط تكرّر ذلك، لأنّه قد يكون له شبهة حتّى يمنعه صاحب الطّعام، وإذا تكرّر صار دناءة وقلّة مروءة‏.‏

تطفيف

التّعريف

1 - التّطفيف لغة‏:‏ البخس في الكيل والوزن‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلمطفِّفين‏}‏ فالتّطفيف‏:‏ نقص يخون به صاحبه في كيل أو وزن‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّوفية‏:‏

2 - توفية الشّيء‏:‏ بذله وافياً‏.‏ فالتّطفيف ضدّ التّوفية‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - التّطفيف منهيّ عنه، وهو ضرب من الخيانة وأكل المال بالباطل، مع ما فيه من عدم المروءة‏.‏ ومن ثمّ عظّم اللّه أمر الكيل والوزن، وأمر بالوفاء فيهما في عدّة آيات، فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا الكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُخْسِرِينَ، وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ، وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَوْفُوا الكَيْلَ إذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ‏}‏ كما توعّد اللّه المطفّفين بالويل، وهدّدهم بعذاب يوم القيامة فقال‏:‏ ‏{‏وَيْلٌ لِلمُطَفِّفِينَ الّذِينَ إذا اكْتَالُوا على النَّاسِ يَسْتَوفُونَ وَإِذَا كَالُوهم أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُولئكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ‏}‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «خمس بخمس، قيل‏:‏ يا رسول اللّه وما خمس بخمس‏؟‏ قال‏:‏ ما نقض قوم العهد إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت، ولا طفّفوا الكيل إلا منعوا النّبات وأخذوا بالسّنين، ولا منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم المطر»‏.‏ قال نافع‏:‏ كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول له‏:‏ اتّق اللّه، أوف الكيل والوزن، فإنّ المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتّى يلجمهم العرق‏.‏ ونقل ابن حجر تصريح العلماء بأنّه من الكبائر، واستظهره‏.‏

منع التّطفيف، وتدابيره

4 - ممّا يتأكّد على المحتسب‏:‏ المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات‏.‏ فينبغي له أن يحذر الكيّالين والوزّانين ويخوّفهم عقوبة اللّه تعالى، وينهاهم عن البخس والتّطفيف‏.‏ ومتى ظهر له من أحد منهم خيانة عزّره على ذلك وأشهره، حتّى يرتدع به غيره‏.‏ وإذا وقع في التّطفيف تخاصم جاز أن ينظر فيه المحتسب، إن لم يكن مع التّخاصم فيه تجاحد وتناكر‏.‏ فإن أفضى إلى التّجاحد والتّناكر كان القضاة أحقّ بالنّظر فيه من ولاة الحسبة، لأنّهم بالأحكام أحقّ‏.‏ وكان التّأديب فيه إلى المحتسب‏.‏

فإن تولّاه الحاكم جاز لاتّصاله بحكمه‏.‏

وقد فصّل الفقهاء القول في التّدابير الّتي تتّخذ للحيلولة دون التّطفيف والبخس في الكيل والوزن، من قيام المحتسب بتفقّد عيار الصّنج ونحوها على حين غفلة من أصحابها، وتجديد النّظر في المكاييل ورعاية ما يطفّفون به المكيال وما إلى ذلك، فليرجع إليه في مواطنه من كتب الحسبة، وفي مصطلحي ‏(‏حسبة، وغشّ‏)‏‏.‏

تطهّر

انظر‏:‏ طهارة‏.‏

تطهير

انظر‏:‏ طهارة‏.‏

تطوّع

التّعريف

1 - التّطوّع‏:‏ هو التّبرّع، يقال‏:‏ تطوّع بالشّيء‏:‏ تبرّع به‏.‏

وقال الرّاغب‏:‏ التّطوّع في الأصل‏:‏ تكلّف الطّاعة، وهو في التّعارف‏:‏ التّبرّع بما لا يلزم كالتّنفّل‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيرَاً فَهُوَ خَيْرٌ لَه‏}‏‏.‏

والفقهاء عندما أرادوا أن يعرّفوا التّطوّع، عدلوا عن تعريف المصدر إلى تعريف ما هو حاصل بالمصدر، فذكروا له في الاصطلاح ثلاثة معان‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات، أو ما كان مخصوصا بطاعة غير واجبة، أو هو الفعل المطلوب طلبا غير جازم‏.‏ وكلّها معان متقاربة‏.‏

وهذا ما ذكره بعض فقهاء الحنفيّة، وهو مذهب الحنابلة، والمشهور عند الشّافعيّة‏.‏

وهو رأي الأصوليّين من غير الحنفيّة، وهو ما يفهم من عبارات فقهاء المالكيّة‏.‏

والتّطوّع بهذا المعنى يطلق على‏:‏ السّنّة والمندوب والمستحبّ والنّفل والمرغّب فيه والقربة والإحسان والحسن، فهي ألفاظ مترادفة‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ التّطوّع هو ما عدا الفرائض والواجبات والسّنن، وهو اتّجاه الأصوليّين من الحنفيّة، ففي كشف الأسرار‏:‏ السّنّة هي الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير افتراض ولا وجوب، وأمّا حدّ النّفل - وهو المسمّى بالمندوب والمستحبّ والتّطوّع - فقيل‏:‏ ما فعله خير من تركه في الشّرع‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

الثّالث‏:‏ التّطوّع‏:‏ هو ما لم يرد فيه نقل بخصوصه، بل ينشئه الإنسان ابتداء، وهو اتّجاه بعض المالكيّة والقاضي حسين وغيره من الشّافعيّة‏.‏

هذه هي الاتّجاهات في معنى التّطوّع وما يرادفه‏.‏ غير أنّ المتتبّع لما ذكره الأصوليّون من غير الحنفيّة، وما ذكره الفقهاء في كتبهم - بما في ذلك الحنفيّة - يجد أنّهم يتوسّعون بإطلاق التّطوّع على ما عدا الفرائض والواجبات، وبذلك يكون التّطوّع والسّنّة والنّفل والمندوب والمستحبّ والمرغّب فيه ألفاظا مترادفة، ولذلك قال السّبكيّ‏:‏ إنّ الخلاف لفظيّ‏.‏ غاية الأمر أنّ ما يدخل في دائرة التّطوّع بعضه أعلى من بعض في الرّتبة، فأعلاه هو السّنّة المؤكّدة، كالعيدين، والوتر عند الجمهور، وكركعتي الفجر عند الحنفيّة‏.‏ ويلي ذلك المندوب أو المستحبّ كتحيّة المسجد، ويلي ذلك ما ينشئه الإنسان ابتداء، لكنّ كلّ ذلك يسمّى تطوّعا‏.‏ والأصل في ذلك «قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم للرّجل - الّذي سأل بعدما عرف فرائض الصّلاة والصّيام والزّكاة‏:‏ هل عليّ غيرها‏؟‏ فقال له‏:‏ لا، إلا أن تطوّع»‏.‏

أنواع التّطوّع

2 - من التّطوّع ما يكون له نظير من العبادات، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وجهاد، وهذا هو الأصل، وهو المتبادر حين يذكر لفظ التّطوّع‏.‏ والتّطوّع في العبادات يختلف في جنسه باعتبارات، فهو يختلف من حيث الرّتبة، إذ منه ما هو مؤكّد كالرّواتب مع الفرائض، ومنه ما هو أقلّ رتبة كتحيّة المسجد، ومنه ما هو أقلّ كالنّوافل المطلقة ليلاً أو نهاراً‏.‏ ومن ذلك في الصّوم‏:‏ صيام يومي عاشوراء وعرفة، فهما أعلى رتبة من الصّيام في غيرهما، والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيرها‏.‏

كما أنّ التّطوّع في العبادات يختلف في جنسه كذلك من حيث الإطلاق والتّقييد، فمنه ما هو مقيّد، سواء أكان التّقييد بوقت أو بسبب، كالضّحى وتحيّة المسجد والرّواتب مع الفروض‏.‏ ومنه ما هو مطلق كالنّفل المطلق باللّيل أو بالنّهار‏.‏

ويختلف كذلك من حيث العدد كالرّواتب من الفروض، إذ هي عند الجمهور عشر، وعند الحنفيّة اثنتا عشرة ركعة‏:‏ اثنتان قبل الصّبح، واثنتان قبل الظّهر ‏(‏وعند الحنفيّة أربع‏)‏ واثنتان بعده، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء‏.‏

والتّطوّع في النّهار واللّيل مثنى مثنى عند الجمهور، وعند الحنفيّة الأفضل أربع بتسليمة واحدة‏.‏ ومثل ذلك تطوّع اللّيل عند أبي حنيفة خلافا للصّاحبين، وبهذا يفتى‏.‏

وفي كلّ ما سبق تفصيل كثير ينظر في مصطلح ‏(‏السّنن الرّواتب، ونفل‏)‏ وفيما له أبواب من ذلك مثل‏:‏ عيد - كسوف - استسقاء‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

ومن التّطوّع ما يكون في غير العبادات كطلب علم غير مفروض‏.‏

وكذلك من أنواع البرّ والمعروف، كالتّطوّع بالإنفاق على قريب لم تجب عليه نفقته، أو على أجنبيّ محتاج، أو قضاء الدّين عنه، أو إبراء المعسر، أو العفو عن القصاص، أو الإرفاق المعروف بجعل الغير يحصل على منافع العقار، أو إسقاط الحقوق‏.‏‏.‏‏.‏ وهكذا‏.‏

ومنه ما يعرف بعقود التّبرّعات، كالقرض والوصيّة والوقف والإعارة والهبة، إذ أنّها قربات شرعت للتّعاون بين النّاس‏.‏

3 - ومن التّطوّع ما هو عينيّ مطلوب ندبا من كلّ فرد، كالتّطوّع بالعبادات غير المفروضة من صلاة وصيام‏.‏‏.‏‏.‏ ومنه ما هو على الكفاية كالأذان وغيره‏.‏

قال النّوويّ وغيره‏:‏ ابتداء السّلام سنّة مستحبّة ليس بواجب، وهو سنّة على الكفاية، فإن كان المسلّم جماعة كفى عنهم تسليم واحد منهم‏.‏ وتشميت العاطس سنّة على الكفاية‏.‏

حكمة مشروعيّة التّطوّع

4 - التّطوّع يقرّب العبد من ربّه ويزيده ثوابا، وفي الحديث القدسيّ‏:‏ «وما يزال عبدي يتقرّبُ إليّ بالنّوافلِ حتّى أحبَّه‏.‏‏.‏‏.‏» الحديث‏.‏

والحكمة من مشروعيّة التّطوّع هي‏:‏

أ - اكتساب رضوان اللّه تعالى‏:‏

وكذلك نيل ثوابه ومضاعفة الحسنات، وقد ورد في ثواب التّطوّع بالعبادة أحاديث كثيرة منها‏:‏ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم واللّيلة بنى اللّه له بيتاً في الجنّة»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها» وغير ذلك كثير في شأن الصّلاة‏.‏

وفي صوم يوم عاشوراء يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي لأحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله» والمراد الصّغائر‏.‏ حكاه في شرح مسلم عن العلماء، فإن لم تكن الصّغائر رجي التّخفيف من الكبائر، فإن لم تكن رفعت الدّرجات، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صام رمضان، ثمّ أتبعه ستّاً من شوّال كان كصيام الدّهر»‏.‏

وقال الزّهريّ‏:‏ في الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور الدّنيا، وتسليم النّفس إلى بارئها، والتّحصّن بحصن حصين، وملازمة بيت اللّه تعالى‏.‏ وقال عطاء‏:‏ مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة إلى عظيم يجلس على بابه، ويقول‏:‏ لا أبرح حتّى تقضى حاجتي‏.‏

ومثل ذلك في غير العبادات‏.‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الَّذيْ يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضَاً حَسَنَاً فَيُضَاعِفَهُ لَه أَضْعَافَاً كَثِيرَةً‏}‏، ويقول ابن عابدين‏:‏ من محاسن العاريّة أنّها نيابة عن اللّه تعالى في إجابة المضطرّ، لأنّها لا تكون إلّا لمحتاج كالقرض، فلذا كانت الصّدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر‏.‏

ب - الأنس بالعبادة والتّهيّؤ لها‏:‏

5 - قال ابن دقيق العيد‏:‏ في تقديم النّوافل على الفرائض معنى لطيف مناسب، لأنّ النّفوس لانشغالها بأسباب الدّنيا تكون بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور، الّتي هي روح العبادة، فإذا قدّمت النّوافل على الفرائض أنست النّفوس بالعبادة، وتكيّفت بحالة تقرّب من الخشوع‏.‏

ج - جبران الفرائض‏:‏

6 - قال ابن دقيق العيد‏:‏ النّوافل الّتي بعد الفرائض هي لجبر النّقص الّذي قد يقع في الفرائض، فإذا وقع نقص في الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الّذي قد يقع فيه‏.‏ وفي الحديث‏:‏ «فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرّبّ عزّ وجلّ‏:‏ انظروا هل لعبدي من تطوّع‏؟‏ فيكمل به ما انتقص من الفريضة»‏.‏

قال المناويّ في شرحه الكبير على الجامع عند قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أوّل ما افترض اللّه على أمّتي الصّلاة‏.‏‏.‏‏.‏» واعلم أنّ الحقّ سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إلا وجعل له من جنسه نافلة، حتّى إذا قام العبد بذلك الواجب - وفيه خلل ما - يجبر بالنّافلة الّتي هي من جنسه، فلذا أمر بالنّظر في فريضة العبد، فإذا قام بها كما أمر اللّه جوزي عليها، وأثبتت له، وإن كان فيها خلل كمّلت من نافلته حتّى قال البعض‏:‏ إنّما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة‏.‏ ولذلك يقول القرطبيّ في شرح مسلم‏:‏ من ترك التّطوّعات ولم يعمل بشيء منها فقد فوّت على نفسه ربحا عظيما وثوابا جسيما‏.‏

د - التّعاون بين النّاس وتوثيق الرّوابط بينهم واستجلاب محبّتهم‏:‏

7 - التّطوّع بأنواع البرّ والمعروف ينشر التّعاون بين النّاس، ولذلك دعا اللّه إليه في قوله‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا على البِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏، ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «واللّه في عَوْنِ العبد ما دام العبد في عون أخيه» وفي فتح الباري عند قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا»‏.‏ يقول ابن حجر‏:‏ في الحديث الحضّ على الخير بالفعل، وبالتّسبّب إليه بكلّ وجه، والشّفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف، إذ ليس كلّ أحد يقدر على الوصول إلى الرّئيس‏.‏ كذلك يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «تَهَادُوا تحابُّوا»‏.‏

أفضل التّطوّع

8 - اختلف الفقهاء في أفضل التّطوّع، فقيل‏:‏ أفضل عبادات البدن الصّلاة‏.‏

ففرضها أفضل من فرض غيرها، وتطوّعها أفضل من تطوّع غيرها، لأنّها أعظم القربات، لجمعها أنواعاً من العبادات لا تجمع في غيرها‏.‏

قال بهذا المالكيّة، وهو المذهب عند الشّافعيّة، ولهم قول آخر بتفضيل الصّيام‏.‏

قال صاحب المجموع‏:‏ وليس المراد بقولهم‏:‏ الصّلاة أفضل من الصّوم‏:‏ أنّ صلاة ركعتين أفضل من صيام أيّام أو يوم، فإنّ الصّوم أفضل من ركعتين بلا شكّ، وإنّما معناه أنّ من لم يمكنه الجمع بين الاستكثار من الصّلاة والصّوم، وأراد أن يستكثر من أحدهما، أو يكون غالبا عليه، منسوبا إلى الإكثار منه، ويقتصر من الآخر على المتأكّد منه، فهذا محلّ الخلاف والتّفصيل‏.‏ والصّحيح تفضيل الصّلاة‏.‏

ويقول الحنابلة‏:‏ إنّ أفضل تطوّعات البدن الجهاد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَضَّلَ اللّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهمْ على القَاعِدينَ دَرَجَةً‏}‏ ثمّ النّفقة فيه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ‏}‏ الآية‏.‏

ثمّ تعلّم العلم وتعليمه، لحديث‏:‏ «فضل العاِلمِ على العابِدِ كفضلي على أدناكم»‏.‏

ثمّ الصّلاة أفضل بعد ذلك، للإخبار بأنّها أحبّ الأعمال إلى اللّه، ومداومته صلى الله عليه وسلم على نفلها‏.‏ ونصّ الإمام أحمد على أنّ الطّواف لغريب أفضل منها، أي من الصّلاة بالمسجد الحرام، لأنّه خاصّ به يفوت بمفارقته بخلاف الصّلاة، فالاشتغال بمفضول يختصّ بقعة أو زمنا أفضل من فاضل لا يختصّ، واختار عزّ الدّين بن عبد السّلام تبعاً للغزاليّ في الإحياء‏:‏ أنّ أفضل الطّاعات على قدر المصالح النّاشئة عنها‏.‏

9 - ويتفاوت ما يتعدّى نفعه في الفضل، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق أجنبيّ، لأنّها صدقة وصلة ونحو ذلك‏.‏

وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ‏:‏ لو ملك عقاراً، وأراد الخروج عنه، فهل الأولى الصّدقة به حالا، أم وقفه‏؟‏ قال ابن عبد السّلام‏:‏ إن كان ذلك في وقت شدّة وحاجة فتعجيل الصّدقة أفضل، وإن لم يكن كذلك ففيه وقفة، ولعلّ الوقف أولى، لكثرة جدواه‏.‏ وأطلق ابن الرّفعة تقديم صدقة التّطوّع به، لما فيه من قطع حظّ النّفس في الحال بخلاف الوقف‏.‏ وفي المنثور أيضاً‏:‏ مراتب القرب تتفاوت، فالقربة في الهبة أتمّ منها في القرض، وفي الوقف أتمّ منها في الهبة، لأنّ نفعه دائم يتكرّر، والصّدقة أتمّ من الكلّ، لأنّ قطع حظّه من المتصدّق به في الحال‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ القرض أفضل من الصّدقة‏.‏

لأنّ «رسول اللّه رأى ليلة أسري به مكتوباً على باب الجنّة‏:‏ درهم القرض بثمانية عشر، ودرهم الصّدقة بعشر، فسأل جبريل‏:‏ ما بال القرض أفضل من الصّدقة‏:‏ فقال‏:‏ لأنّ السّائل يسأل وعنده، والمقترض لا يقترض إلا من حاجة»‏.‏

وتكسّب ما زاد على قدر الكفاية - لمواساة الفقير أو مجازاة القريب - أفضل من التّخلّي لنفل العبادة، لأنّ منفعة النّفل تخصّه، ومنفعة الكسب له ولغيره، فقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «خير النّاس أنفعهم للنّاس»

وعن عمر بن الخطّاب قال‏:‏‏"‏ إنّ الأعمال تتباهى، فتقول الصّدقة‏:‏ أنا أفضلكم ‏"‏‏.‏

وفي الأشباه لابن نجيم‏:‏ بناء الرّباط بحيث ينتفع به المسلمون، أفضل من الحجّة الثّانية‏.‏

الحكم التّكليفيّ

10 - الأصل في التّطوّع أنّه مندوب‏.‏ سواء أكان ذلك في العبادات من صلاة وصيام‏.‏‏.‏‏.‏ أم كان في غيرها من أنواع البرّ والمعروف، كالإعارة والوقف والوصيّة وأنواع الإرفاق‏.‏ والدّليل على ذلك من الكتاب آيات منها‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضَاً حَسَنَاً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافَاً كَثِيرَةً‏}‏‏.‏

ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُنِيَ له بهنّ بيت في الجنّة»

قوله‏:‏ «من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّاً من شوّال كان كصيام الدّهر» وقوله‏:‏ «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة» وقوله‏:‏ «لا يمنع أحدُكم جارَه أن يَغْرِزَ خشبه في جداره»‏.‏

وقد يعرض له الوجوب، كبذل الطّعام للمضطرّ، وكإعارة ما يستغنى عنه لمن يخشى هلاكه بعدمها، وكإعارة الحبل لإنقاذ غريق‏.‏

وقد يكون حراماً، كالعبادة الّتي تقع في الأوقات المحرّمة كالصّلاة وقت طلوع الشّمس أو غروبها، وكصيام يومي العيد، وأيّام التّشريق، وكتصدّق المدين مع حلول دينه والمطالبة به، وعدم وجود ما يسدّد به دينه‏.‏

وقد يكون مكروهاً، كوقوع الصّلاة في الأوقات المكروهة، كما أنّه يكره ترك التّسوية في العطيّة لأولاده‏.‏

أهليّة التّطوّع

11 - التّطوّع يكون في العبادات وغيرها،

أمّا العبادات فإنّه يشترط في المتطوّع بها ما يلي‏:‏

أ - أن يكون مسلما، فلا يصحّ التّطوّع بالعبادات من الكافر، لأنّه ليس من أهل العبادة‏.‏

ب - أن يكون عاقلا، فلا تصحّ العبادة من المجنون، لعدم صحّة نيّته‏.‏ وهذا في غير الحجّ، لأنّه في الحجّ يحرم عنه وليّه، وكذلك يحرم الوليّ عن الصّبيّ غير المميّز‏.‏

ج - التّمييز، فلا يصحّ التّطوّع من غير المميّز، ولا يشترط البلوغ، لأنّ تطوّع الصّبيّ بالعبادات صحيح‏.‏

وأمّا بالنّسبة لغير العبادات‏:‏ فإنّ الشّرط هو أهليّة التّبرّع من عقل وبلوغ ورشد، فلا يصحّ تبرّع محجور عليه لصغر أو سفه أو دين أو غير ذلك‏.‏ وتفصيل هذا ينظر في ‏(‏أهليّة‏)‏‏.‏

أحكام التّطوّع‏:‏

12 - أحكام التّطوّع منها ما يخصّ العبادات، ومنها ما يشمل العبادات وغيرها، ومنها ما يخصّ غير العبادات، وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

أوّلاً‏:‏ ما يخصّ العبادات

أ - ما تسنّ له الجماعة من صلاة التّطوّع‏:‏

13 - تسنّ الجماعة لصلاة الكسوف باتّفاق بين المذاهب، وتسنّ للتّراويح عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وهي مندوبة عند المالكيّة، إذ الأفضل الانفراد بها - بعيدا عن الرّياء - إن لم تعطّل المساجد عن فعلها فيها‏.‏ وتسنّ الجماعة كذلك لصلاة الاستسقاء عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، أمّا عند الحنفيّة فتصلّى جماعة وفرادى عند محمّد، ولا تصلّى إلّا فرادى عند أبي حنيفة‏.‏ وتسنّ الجماعة لصلاة العيدين عند المالكيّة والشّافعيّة‏.‏ أمّا عند الحنفيّة والحنابلة فالجماعة فيها واجبة‏.‏ ويسنّ الوتر جماعة عند الحنابلة‏.‏

وبقيّة التّطوّعات تجوز جماعة وفرادى عند الشّافعيّة والحنابلة، وتكره جماعة عند الحنفيّة إذا كانت على سبيل التّداعي، وعند المالكيّة الجماعة في الشّفع والوتر سنّة والفجر خلاف الأولى‏.‏ أمّا غير ذلك فيجوز فعله جماعة، إلا أن تكثر الجماعة أو يشتهر المكان فتكره الجماعة حذر الرّياء‏.‏ والتّفصيل ينظر في ‏(‏صلاة الجماعة - نفل‏)‏‏.‏

مكان صلاة التّطوّع‏:‏

14 - صلاة التّطوّع في البيوت أفضل، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ويستثنى من ذلك ما شرعت له الجماعة، ففعله في المسجد أفضل، ويستثنى كذلك عند المالكيّة صلاة الرّواتب مع الفرائض، فيندب فعلها في المسجد، كما أنّ تحيّة المسجد تصلّى في المسجد‏.‏ ويستحبّ للمصلّي عند الجمهور أن يتنفّل في غير المكان الّذي صلّى فيه المكتوبة‏.‏

وقال الكاسانيّ من الحنفيّة‏:‏ يكره للإمام أن يصلّي شيئا من السّنن في المكان الّذي صلّى فيه المكتوبة، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «أيعجز أحدُكم إذا صلّى أن يتقدّمَ أو يتأخّر»، ولا يكره ذلك للمأموم، لأنّ الكراهة في حقّ الإمام للاشتباه، وهذا لا يوجد في حقّ المأموم، لكن يستحبّ له أن يتنحّى أيضاً، حتّى تنكسر الصّفوف، ويزول الاشتباه على الدّاخل من كلّ وجه‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ قال أحمد‏:‏ لا يتطوّع الإمام في مكانه الّذي صلّى فيه المكتوبة‏.‏ كذا قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏ قال أحمد‏:‏ ومن صلّى وراء الإمام فلا بأس أن يتطوّع مكانه، فعل ذلك ابن عمر رضي الله عنهما‏.‏ وبهذا قال إسحاق، وروى أبو بكر حديث عليّ بإسناده‏.‏ وبإسناده عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا يتطوّع الإمام في مقامه الّذي يصلّي فيه المكتوبة»‏.‏

صلاة التّطوّع على الدّابّة

15 - يجوز باتّفاق المذاهب صلاة التّطوّع على الدّابّة في السّفر‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر الطّويل قال التّرمذيّ‏:‏ هذا عند عامّة أهل العلم،

وقال ابن عبد البرّ‏:‏ أجمعوا على أنّه جائز لكلّ من سافر سفراً يقصر فيه الصّلاة أن يتطوّع على دابّته حيثما توجّهت، يومئ بالرّكوع والسّجود، ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع‏.‏

ويجوز عند الحنابلة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر القصير أيضا، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ‏}‏، قال ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ نزلت هذه الآية في التّطوّع خاصّة حيث توجّه به بعيرك‏.‏

وهذا يتناول بإطلاقه محلّ النّزاع، وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يوتر على بعيره»، وفي رواية‏:‏ «كان يسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه» وكان ابن عمر يفعله‏.‏ وللبخاريّ‏:‏ «إلا الفرائض» ولمسلم وأبي داود‏:‏ «غير أنّه لا يصلّي عليها المكتوبة» ولم يفرّق بين قصير السّفر وطويله، ولأنّ إباحة الصّلاة على الرّاحلة تخفيف في التّطوّع، كي لا يؤدّي إلى قطعها وتقليلها‏.‏

والوتر واجب عند الحنفيّة، ولهذا لا يؤدّى على الرّاحلة عند القدرة على النّزول‏.‏ كذلك روى الحسن عن أبي حنيفة أنّ من صلّى ركعتي الفجر على الدّابّة من غير عذر وهو يقدر على النّزول لا يجوز، لاختصاص ركعتي الفجر بزيادة توكيد وترغيب بتحصيلها وترهيب وتحذير على تركها، فالتحقت بالواجبات كالوتر‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏نفل - نافلة‏)‏‏.‏

صلاة التّطوّع قاعداً

16 - تجوز صلاة التّطوّع من قعود باتّفاق بين المذاهب‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافاً في إباحة التّطوّع جالساً، وأنّه في القيام أفضل، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى قائما فهو أفضل، ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم» ولأنّ كثيراً من النّاس يشقّ عليه القيام، فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره، فسامح الشّارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره‏.‏

الفصل بين الصّلاة المفروضة وصلاة التّطوّع

17 - يستحبّ أن يفصل المصلّي بين الصّلاة المفروضة وصلاة التّطوّع بعدها بالأذكار الواردة، كالتّسبيح والتّحميد والتّكبير، وهذا عند الجمهور‏.‏ وعند الحنفيّة يكره الفصل بين المكتوبة والسّنّة، بل يشتغل بالسّنّة‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ نفل‏)‏‏.‏

قضاء التّطوّع

18 - إذا فات التّطوّع - سواء المطلق، أو المقيّد بسبب أو وقت - فعند الحنفيّة والمالكيّة لا يقضى سوى ركعتي الفجر، لما روت أمّ سلمة رضي الله عنها قالت‏:‏ «صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العصر ثمّ دخل بيتي فصلّى ركعتين، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه، صلّيتَ صلاة لم تكن تصلّيها فقال‏:‏ قدم عليَّ مالٌ فشغلني عن الرّكعتين كنت أركعهما بعد الظّهر، فصلّيتهما الآن‏.‏ فقلت‏:‏ يا رسول اللّه أفنقضيهما إذا فاتتا‏؟‏ قال‏:‏ لا»‏.‏

وهذا نصّ على أنّ القضاء غير واجب على الأمّة، وإنّما هو شيء اختصّ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا شركة لنا في خصائصه‏.‏ وقياس هذا الحديث أنّه لا يجب قضاء ركعتي الفجر أصلا، إلا أنّا استحسنّا القضاء إذا فاتتا مع الفرض، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعلهما مع الفرض ليلة التّعريس» فنحن نفعل ذلك لنكون على طريقته‏.‏

وهذا بخلاف الوتر، لأنّه واجب عند الحنفيّة، والواجب ملحق بالفرض في حقّ العمل‏.‏

وقال النّوويّ من الشّافعيّة‏:‏ لو فات النّفل المؤقّت ‏"‏ كصلاة العيد والضّحى ‏"‏ ندب قضاؤه في الأظهر، لحديث الصّحيحين‏:‏ «من نسي صلاةً أو نام عنها فكفّارتُها أن يصلّيها إذا ذكرها» ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر لمّا نام في الوادي عن صلاة الصّبح إلى أن طلعت الشّمس»‏.‏ وفي مسلم نحوه‏.‏

«وقضى ركعتي سنّة الظّهر المتأخّرة بعد العصر»، ولأنّها صلاة مؤقّتة فقضيت كالفرائض، وسواء السّفر والحضر، كما صرّح به ابن المقري‏.‏

والثّاني‏:‏ لا يقضى كغير المؤقّت‏.‏

والثّالث‏:‏ إن لم يتبع غيره كالضّحى قضي، لشبهه بالفرض في الاستقلال، وإن تبع غيره كالرّواتب فلا‏.‏ قال الخطيب الشّربينيّ في شرح المنهاج‏:‏ قضيّة كلامه - أي النّوويّ - أنّ المؤقّت يقضي أبدا وهو الأظهر، والثّاني‏:‏ يقضي فائتة النّهار ما لم تضرب شمسه، وفائتة اللّيل ما لم يطلع فجره‏.‏ والثّالث‏:‏ يقضي ما لم يصلّ الفرض الّذي بعده‏.‏

وخرج بالمؤقّت ما له سبب كالتّحيّة والكسوف فإنّه لا مدخل للقضاء فيه‏.‏

نعم لو فاته وِرْدُه من الصّلاة، فإنّه يندب له قضاؤه كما قاله الأذرعيّ‏.‏

وعند الحنابلة، قال الإمام أحمد‏:‏ لم يبلغنا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى شيئاً من التّطوّع، إلا ركعتي الفجر والرّكعتين بعد العصر‏.‏

وقال القاضي وبعض الأصحاب‏:‏ لا يقضى إلا ركعتا الفجر وركعتا الظّهر‏.‏

وقال ابن حامد‏:‏ تقضى جميع السّنن الرّواتب، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بعضها، وقسنا الباقي عليها‏.‏ وفي شرح منتهى الإرادات‏:‏ يسنّ قضاء الرّواتب، إلا ما فات مع فرضه وكثر، فالأولى تركه، إلا سنّة الفجر فيقضيها مطلقاً لتأكّدها‏.‏

انقلاب الواجب تطوّعاً

19 - قد ينقلب واجب العبادات إلى تطوّع، سواء أكان بقصد أم بغير قصد‏.‏

ومن ذلك مثلاً في الصّلاة يقول ابن نجيم‏:‏ لو افتتح الصّلاة بنيّة الفرض، ثمّ غيّر نيّته في الصّلاة وجعلها تطوّعا، صارت تطوّعاً‏.‏

وفي شرح منتهى الإرادات‏:‏ إن أحرم مصلٍّ بفرض، كظهر في وقته المتّسع له ولغيره، ثمّ قلبه نفلا، بأن فسخ نيّة الفرضيّة دون نيّة الصّلاة، صحّت مطلقا، أي سواء كان صلّى الأكثر منها أو الأقلّ، وسواء كان لغرض صحيح أو لا، لأنّ النّفل يدخل في نيّة الفرض، وكره قلبه نفلا لغير غرض صحيح‏.‏ ثمّ قال‏:‏ وينقلب نفلا ما بان عدمه، كما لو أحرم بفائتة ظنّها عليه، فتبيّن أنّه لم تكن عليه فائتة، أو أحرم بفرض ثمّ تبيّن له أنّه لم يدخل وقته، لأنّ الفرض لم يصحّ، ولم يوجد ما يبطل النّفل‏.‏

ومن ذلك الصّيام‏.‏ جاء في شرح منتهى الإرادات‏:‏ من قطع نيّة صوم نذر أو كفّارة أو قضاء، ثمّ نوى صوماً نفلا صحّ نفله، وإن قلب صائم نيّة نذر أو قضاء إلى نفل صحّ، كقلب فرض الصّلاة نفلاً‏.‏

وخالف الحجّاويّ في ‏"‏ الإقناع ‏"‏ في مسألة قلب القضاء، وكره له ذلك لغير غرض‏.‏

ومن ذلك الزّكاة‏.‏ جاء في بدائع الصّنائع‏:‏ إذا دفع الزّكاة إلى رجل، ولم يخطر بباله أنّه ليس ممّن تصرف الزّكاة إليهم وقت الدّفع، ولم يشكّ في أمره، فإذا ظهر بيقين أنّه ليس من مصارفها لم تجزئه زكاة، ويجب عليه الإعادة، وليس له أن يستردّ ما دفع إليه، ويقع تطوّعا‏.‏ ثمّ قال الكاسانيّ في موضع آخر‏:‏ حكم المعجّل إذا لم يقع زكاة‏:‏ أنّه إن وصل إلى يد الفقير يكون تطوّعاً، سواء وصل إلى يده من يد ربّ المال أو من يد الإمام أو نائبه - وهو السّاعي - لأنّه حصل أصل القربة‏.‏

وصدقة التّطوّع لا يحتمل الرّجوع فيها بعد وصولها إلى يد الفقير‏.‏

وفي المهذّب أيضاً‏:‏ من أحرم بالحجّ في غير أشهره انعقد إحرامه بالعمرة، لأنّها عبادة مؤقّتة، فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها، كصلاة الظّهر إذا أحرم بها قبل الزّوال، فإنّه ينعقد إحرامه بالنّفل‏.‏ وفي الأشباه لابن نجيم‏:‏ لو أحرم بالحجّ نذراً ونفلاً كان نفلا، ولو أحرم بالحجّ فرضا وتطوّعا كان تطوّعا عندهما في الأصحّ‏.‏

حصول التّطوّع بأداء الفرض وعكسه

20 - هناك صور يحصل التّطوّع فيها بأداء الفرض، ولكنّ ثواب التّطوّع لا يحصل إلا بنيّته‏.‏ جاء في الأشباه لابن نجيم - في الجمع بين عبادتين - قالوا‏:‏ لو اغتسل الجنب يوم الجمعة للجمعة ولرفع الجنابة، ارتفعت جنابته، وحصل له ثواب غسل الجمعة‏.‏

وفي ابن عابدين‏:‏ مَنْ عليه جنابة نسيها واغتسل للجمعة مثلاً، فإنّه يرتفع حدثه ضمناً، ولا يثاب ثواب الفرض، وهو غسل الجنابة ما لم ينوه، لأنّه لا ثواب إلّا بالنّيّة‏.‏

وفي الشّرح الصّغير‏:‏ تتأدّى تحيّة المسجد بصلاة الفرض فيسقط طلب التّحيّة بصلاته، فإن نوى الفرض والتّحيّة حصلا، وإن لم ينو التّحيّة لم يحصل له ثوابها، لأنّ الأعمال بالنّيّات‏.‏ ومثل ذلك غسل الجمعة والجنابة، وصيام يوم عرفة مع نيّة قضاء ما عليه‏.‏

وفي القواعد لابن رجب‏:‏ لو طاف عند خروجه من مكّة طوافاً ينوي به الزّيارة والوداع، فقال الخرقيّ وصاحب المغني‏:‏ يجزئه عنهما‏.‏

ثانياً‏:‏ ما يشمل العبادات وغيرها من أحكام

أ - قطع التّطوّع بعد الشّروع فيه‏:‏

21 - إذا كان التّطوّع عبادة كالصّلاة والصّيام، فعند الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ إذا شرع فيه وجب إتمامه، وإذا فسد وجب قضاؤه، لأنّ التّطوّع يلزم بالشّروع مُضِيّا وقضاء‏.‏

ولأنّ المؤدّى عبادة، وإبطال العبادة حرام، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكمْ‏}‏‏.‏

وقد «قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعائشة وحفصة رضي الله عنهما وقد أفطرتا في صوم التّطوّع اقضيا يوما مكانه»‏.‏

غير أنّ المالكيّة لا يوجبون القضاء إلا إذا كان الفساد متعمّداً، فإن كان لعذر فلا قضاء‏.‏ وعند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يستحبّ الإتمام إذا شرع في التّطوّع ولا يجب، كما أنّه يستحبّ القضاء إذا فسد، إلّا في تطوّع الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما إذا شرع فيهما، لأنّ نفلهما كفرضهما نيّة وفدية وغيرهما‏.‏

واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة على عدم وجوب الإتمام بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«الصّائم المتطوّع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر»‏.‏

وتنظر التّفاصيل في ‏(‏نفل، صلاة، صيام، حجّ‏)‏‏.‏

22 - أمّا غير ذلك من التّطوّعات، فإمّا أن يكون من قبيل عقود التّبرّعات المعروفة كالهبة والعاريّة والوقف والوصيّة، وإمّا أن يكون من غير ذلك‏.‏

فإن كان من عقود التّبرّعات، فلكلّ عقد حكمه في جواز الرّجوع أو عدم جوازه‏.‏ ففي الوصيّة مثلا‏:‏ يجوز باتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّا‏.‏

وفي العاريّة والقرض‏:‏ يجوز الرّجوع بطلب ردّ الشّيء المستعار واسترداد بدل القرض في الحال بعد القبض‏.‏ وهذا عند غير المالكيّة، بل قال الجمهور‏:‏ إنّ المقرض إذا أجّل القرض لا يلزمه التّأجيل، لأنّه لو لزم فيه الأجل لم يبق تبرّعاً‏.‏

ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض، فإذا تمّ القبض فلا رجوع عند الشّافعيّة والحنابلة، إلا فيما وهب الوالد لولده، وعند الحنفيّة‏:‏ يجوز الرّجوع إن كانت لأجنبيّ‏.‏

وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في أبوابه‏.‏ وفي ‏(‏تبرّع‏)‏‏.‏

أمّا غير ذلك من التّبرّعات كالصّدقة والإنفاق وما شابه ذلك، فإن كان قد مضى فلا رجوع فيه، ما دام ذلك قد تمّ بنيّة التّبرّع‏.‏ يقول ابن عابدين‏:‏ لا رجوع في الصّدقة لأنّ المقصود فيها الثّواب لا العوض‏.‏ ويقول ابن قدامة‏:‏ لا يجوز للمتصدّق الرّجوع في صدقته في قولهم جميعا، لأنّ عمر رضي الله عنه قال في حديثه‏:‏ من وهب هبة على وجه صدقة فإنّه لا يرجع فيها‏.‏ ومثل ذلك الإنفاق إذا كان بقصد التّبرّع فلا رجوع فيه‏.‏

يقول ابن عابدين‏:‏ إذا أنفق الوصيّ من مال نفسه على الصّبيّ، وللصّبيّ مال غائب، فهو متطوّع في الإنفاق استحساناً، إلا أن يشهد أنّه قرض، أو أنّه يرجع به عليه‏.‏

ويقول ابن القيّم‏:‏ المقاصد تغيّر أحكام التّصرّفات، فالنّيّة لها تأثير في التّصرّفات، ومن ذلك أنّه لو قضى عن غيره ديناً، أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك - ينوي التّبرّع والهبة - لم يملك الرّجوع بالبدل، وإن لم ينو فله الرّجوع‏.‏ على أنّ في ذلك تفصيلاً وخلافاً بين المذاهب في بعض الفروع، ومن ذلك مثلا‏:‏ أنّ الشّافعيّة يجيزون للأب ولسائر الأصول الرّجوع في الصّدقة المتطوّع بها على الولد، أمّا الواجبة فلا رجوع فيها‏.‏

ولا يجيزون للأب الرّجوع في الإبراء لولده عن دينه‏.‏ بينما يجيز الحنابلة رجوع الأب فيما أبرأ ابنه منه من الدّيون‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏تبرّع، صدقة، إبراء، هبة، نفقة‏)‏‏.‏

23 - أمّا ما شرع فيه من الصّدقة‏.‏ فأخرج بعضه، فلا يلزمه الصّدقة بباقيه‏.‏

يقول ابن قدامة‏:‏ انعقد الإجماع على أنّ الإنسان لو نوى الصّدقة بمال مقدّر، وشرع في الصّدقة به، فأخرج بعضه لم تلزمه الصّدقة بباقيه، وهو نظير الاعتكاف، لأنّه غير مقدّر بالشّرع فأشبه الصّدقة، غير أنّ ابن رجب ذكر خلافا في ذلك‏.‏

والحطّاب عدّ الأشياء الّتي تلزم بالشّروع، وهي سبع‏:‏ الصّلاة والصّوم والاعتكاف والحجّ والعمرة والائتمام والطّواف‏.‏ ثمّ ذكر ما لا يلزم بالشّروع، وأنّه لا يجب القضاء بقطعه، وهو‏:‏ الصّدقة والقراءة والأذكار والوقف والسّفر للجهاد، وغير ذلك من القربات‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏تبرّع، صدقة‏)‏‏.‏

ب - نيّة التّطوّع‏:‏

24 - التّطوّع - إن كان عبادة - فلا بدّ فيه من النّيّة بالإجماع، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات» وهي مقصودة بها تمييز العبادات عن العادات، وتمييز بعض العبادات عن بعض‏.‏ فالغسل قد يكون تبرّدا وعبادة، والإمساك عن المفطرات قد يكون حميّة أو تداويا، ودفع المال يكون صدقة شرعيّة وصلة متعارفة‏.‏‏.‏ وهكذا، وعلى ذلك فالنّيّة شرط في العبادات باتّفاق، إلّا أنّ الفقهاء يختلفون في النّيّة في تطوّع العبادات بالنّسبة للتّعيين أو الإطلاق‏.‏ 25 - والتّطوّع في العبادات، منه ما هو مطلق كالتّهجّد والصّوم، ومنه ما هو مقيّد كصلاة الكسوف والسّنن الرّواتب مع الفرائض، وكصيام عرفة وعاشوراء‏.‏

أمّا التّطوّع المطلق، فيصحّ عند جميع الفقهاء أداؤه دون تعيينه بالنّيّة، وتكفي نيّة مطلق الصّلاة أو مطلق الصّوم‏.‏

أمّا التّطوّع المعيّن كالرّواتب والوتر والتّراويح، وصلاة الكسوف والاستسقاء، وصيام يوم عاشوراء، فإنّه يشترط فيه تعيينه بالنّيّة، وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض مشايخ الحنفيّة، غير أنّ المالكيّة حدّدوا المعيّن عندهم بأنّه‏:‏ الوتر والعيدان وصلاة الكسوف والاستسقاء ورغيبة الفجر، أمّا غير ذلك فهو من المطلق عندهم‏.‏

والصّحيح المعتمد عند الحنفيّة أنّ التّطوّع المعيّن أو المقيّد يصحّ دون تعيينه، وأنّه يكفي فيه مطلق النّيّة كالتّطوّع المطلق، وهو ما عليه أكثر مشايخ الحنفيّة‏.‏

26 - أمّا غير العبادات من التّطوّعات، فالأصل أنّه لا مدخل للنّيّة فيها، إلا أنّ نيّة القربة فيها - امتثالا لأوامر الشّرع الّتي تحثّ على المعروف - مطلوبة لاستحقاق الثّواب، إذ أنّها لا تتمحّض قربة إلّا بهذه النّيّة‏.‏

يقول الشّاطبيّ‏:‏ المقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات‏.‏ إلى أن قال‏:‏ وأمّا الأعمال العاديّة - وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نيّة - فلا تكون عبادات ولا معتبرات في الثّواب إلا مع قصد الامتثال، وفي الأشباه لابن نجيم‏:‏ لا يتوقّف الوقف ولا الهبة ولا الوصيّة على النّيّة، فالوصيّة إن قصد التّقرّب بها فله الثّواب، وإلّا فهي صحيحة فقط، وكذلك الوقف إن نوى القربة فله الثّواب وإلا فلا، وعلى هذا سائر القرب لا بدّ فيها من النّيّة، بمعنى توقّف حصول الثّواب على قصد التّقرّب بها إلى اللّه تعالى‏.‏

وفي الشّرح الصّغير‏:‏ الهبة من التّبرّعات المندوبة كالصّدقة، وهذا إن صحّ القصد، وإن استحضر أنّ ذلك ممّا رغّب فيه الشّرع فإنّه يثاب‏.‏ وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ‏:‏ عيادة المريض واتّباع الجنازة وردّ السّلام قربة، لا يستحقّ الثّواب عليها إلا بالنّيّة‏.‏

ج - النّيابة في التّطوّع‏:‏

27 - التّطوّع إن كان من العبادات البدنيّة كالصّلاة والصّوم، فلا تجوز فيه النّيابة، لأنّه لا تجوز النّيابة في فرضه في الجملة، فلا تجوز في نفله‏.‏ وإن كان مركّبا منهما كالحجّ، فعند الحنفيّة والحنابلة تصحّ النّيابة فيه، وهو الأظهر عند الشّافعيّة، وأحد قولين معتمدين عند المالكيّة‏.‏ أمّا غير ذلك من العبادات الماليّة والتّطوّعات بأنواع البرّ والمعروف، كالصّدقة والهدي والعتق والوقف والوصيّة والهبة والإبراء وغيرها فإنّه تجوز النّيابة فيها‏.‏ كما أنّه يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يتطوّع الإنسان بجعل ثواب عمله من صلاة وصيام وحجّ وصدقة وعتق وطواف وعمرة وقراءة وغير ذلك لغيره، من حيّ أو ميّت‏.‏ بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «ضحّى بكبشين أملحين، أحدهما عنه، والآخر عن أمّته»‏.‏ وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص، لمّا سأله عن أبيه‏:‏ لو كان مسلماً فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك»‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ وهذا عامّ في حجّ التّطوّع وغيره، ولأنّه عمل برّ وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصّدقة والصّيام والحجّ الواجب‏.‏ «عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ يا رسول اللّه، إنّا نتصدّق عن موتانا، ونحجّ عنهم، وندعو لهم، فهل يصل ذلك لهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم، إنّه ليصل إليهم، وإنّهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطّبق إذا أهدي إليه»‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ من البرّ بعد الموت أن تصلّي لأبويك مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صومك» وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز فيما عدا الصّلاة والصّيام‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏نيابة - وكالة - نفل - صدقة - صلاة - وصوم‏)‏‏.‏

د - الأجرة على التّطوّع‏:‏

28 - الأصل أنّ كلّ طاعة يختصّ بها المسلم لا يجوز أخذ الأجرة عليها، كالإمامة والأذان والحجّ والجهاد وتعليم القرآن‏.‏ لما روى عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ «إنّ آخر ما عهد إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن أتَّخِذَ مؤذّناً لا يأخذُ على أذانه أجراً» ولأنّ القربة متى حصلت وقعت عن العامل، ولهذا تعتبر أهليّته، فلا يجوز أخذ الأجر عن غيره كما في الصّوم والصّلاة‏.‏ هذا مذهب الحنفيّة، وهو رواية عند الحنابلة‏.‏

ويصحّ مع الكراهة عند المالكيّة‏.‏ جاء في الشّرح الصّغير‏:‏ تكره إجارة الإنسان نفسه في عمل للّه تعالى، حجّا أو غيره، كقراءة وإمامة وتعليم علم، وصحّته مع الكراهة‏.‏

كما تكره الإجارة على الأذان، قال مالك‏:‏ لأن يؤاجر الرّجل نفسه في عمل اللّبن وقطع الحطب وسوق الإبل أحبّ إليّ من أن يعمل عملا للّه بأجرة‏.‏

وقال الشّافعيّة، كما في نهاية المحتاج‏:‏ لا تصحّ إجارة مسلم لجهاد ولا لعبادة يجب لها نيّة، وألحقوا بذلك الإمامة ولو لنفل، لأنّه حصل لنفسه‏.‏ أمّا ما لا تجب له نيّة كالأذان فيصحّ الاستئجار عليه، واستثني ممّا فيه نيّة‏:‏ الحجّ والعمرة، فيجوز الاستئجار لهما أو لأحدهما عن عاجز أو ميّت، وتقع صلاة ركعتي الطّواف تبعا لهما، وتجوز الإجارة عن تفرقة زكاة وكفّارة وأضحيّة وهدي وذبح وصوم عن ميّت وسائر ما يقبل النّيابة وإن توقّف على النّيّة، لما فيها من شائبة المال‏.‏ وتصحّ الإجارة لكلّ ما لا تجب له نيّة‏.‏

وتصحّ لتجهيز ميّت ودفنه وتعليم قرآن ولقراءة القرآن عند القبر أو مع الدّعاء‏.‏

وفي الاختيارات الفقهيّة لابن تيميّة‏:‏ لا يجوز للإنسان أن يقبل هديّة من شخص ليشفع له عند ذي أمر، أو أن يرفع عنه مظلمة، أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولاية يستحقّها، أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحقّ لذلك، وإذا امتنعت الهديّة امتنعت الأجرة من باب أولى‏.‏ والأصل في ذلك‏:‏ أنّ من أخذ أجرا على عمل تطوّع - ممّا يجوز عند الفقهاء - فإنّه يعتبر أجيراً، وليس متطوّعا بالقربات، لأنّ القرب والطّاعات إذا وقعت بأجرة لم تكن قربة ولا عبادة، لأنّه لا يجوز التّشريك في العبادة، لكن إذا كان الرّزق من بيت المال أو من وقف فإنّه يعتبر نفقة في المعنى، ولا يعتبر أجراً‏.‏

جاء في الاختيارات الفقهيّة‏:‏ الأعمال الّتي يختصّ فاعلها أن يكون من أهل القربة، هل يجوز إيقاعها على غير وجه القربة‏؟‏ فمن قال‏:‏ لا يجوز ذلك، لم يجز الإجارة عليها، لأنّها بالعوض تقع غير قربة و«إنّما الأعمال بالنّيّات» واللّه تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه، ومن جوّز الإجارة جوّز إيقاعها على غير وجه القربة، وقال‏:‏ تجوز الإجارة عليها لا فيها من نفع المستأجر، وأمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة، بل رزق للإعانة على الطّاعة، فمن عمل منهم للّه أثيب‏.‏ وكذلك المال الموقوف على أعمال البرّ والموصى به كذلك، والمنذور كذلك، ليس كالأجرة‏.‏

ويقول القرافيّ‏:‏ باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة، وباب الإجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة، ثمّ يقول‏:‏ الأرزاق مجمع على جوازها، لأنّها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة‏.‏

انقلاب التّطوّع إلى واجب

29 - ينقلب التّطوّع إلى واجب لأسباب متعدّدة منها‏:‏

أ - الشّروع‏:‏

30 - التّطوّع بالحجّ عند جميع الفقهاء يصير واجباً بالشّروع فيه، بحيث إذا فسد وجب قضاؤه‏.‏ ومثل ذلك‏:‏ الصّلاة والصّيام عند الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

ب - التّطوّع بالحجّ ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام‏:‏

31 - قال ابن قدامة‏:‏ من أحرم بحجّ تطوّع - ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام - وقع عن حجّة الإسلام، وبهذا قال ابن عمر وأنس والشّافعيّ، لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه، فوقع عن فرضه كالمطلق‏.‏ ولو أحرم بتطوّع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة، ولأنّها واجبة فهي كحجّة الإسلام‏.‏ والعمرة كالحجّ فيما ذكرنا لأنّها أحد النّسكين، فأشبهت الآخر‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى‏:‏ أنّه إذا نوى حجّة نفل - ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام - وقع عمّا نواه، لأنّ وقت الحجّ يشبه وقت الصّلاة ‏(‏ظرف‏)‏ ووقت الصّوم ‏(‏معيار‏)‏ فأعطي حكمهما، فيتأدّى فرضه بمطلق النّيّة، ويقع عن النّفل إذا نواه‏.‏

وقال ابن نجيم‏:‏ لو طاف بنيّة التّطوّع في أيّام النّحر وقع عن الفرض‏.‏

وفي البدائع‏:‏ لو تصدّق بجميع ماله على فقير، ولم ينو الزّكاة أجزأه عن الزّكاة استحساناً‏.‏ والقياس‏:‏ أن لا يجوز، لأنّ الزّكاة عبادة مقصودة، فلا بدّ لها من النّيّة‏.‏

ووجه الاستحسان أنّ النّيّة وجدت دلالة، وعلى هذا إذا وهب جميع النّصاب من الفقير، أو نوى تطوّعاً، ولو أدّى مائة لا ينوي الزّكاة، ونوى تطوّعاً، لا تسقط زكاة المائة وعليه أن يزكّي الكلّ عند أبي يوسف‏.‏ وعند محمّد يسقط عنه زكاة ما تصدّق، ولا يسقط عنه زكاة الباقي‏.‏

ج - الالتزام أو التّعيين بالنّيّة والقول‏:‏

32 - جاء في الدّرّ المختار‏:‏ لو نذر التّصدّق يوم الجمعة بمكّة بهذا الدّرهم على فلان، فخالف، جاز‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ فلو خالف في بعضها أو كلّها، بأن تصدّق في غير يوم الجمعة ببلد آخر بدرهم آخر على شخص آخر جاز، لأنّ الدّاخل تحت النّذر ما هو قربة، وهو أصل التّصدّق دون التّعيين، فبطل التّعيين ولزمه القربة‏.‏

ثمّ قال ابن عابدين‏:‏ وهذا ليس على إطلاقه لما في البدائع‏:‏ لو قال‏:‏ للّه عليّ أن أطعم هذا المسكين شيئا سمّاه ولم يعيّنه، فلا بدّ أن يعطيه للّذي سمّى، لأنّه إذا لم يعيّن المنذور صار تعيين الفقير مقصودا، فلا يجوز أن يعطي غيره‏.‏ وفي الاختيار‏:‏ لا تجب الأضحيّة على الفقير، لكنّها تجب بالشّراء، ويتعيّن ما اشتراه للأضحيّة‏.‏ فإن مضت أيّام الأضحيّة ولم يذبح، تصدّق بها حيّة، لأنّها غير واجبة على الفقير، فإذا اشتراها بنيّة الأضحيّة تعيّنت للوجوب، والإراقة إنّما عرفت قربة في وقت معلوم، وقد فات فيتصدّق بعينها‏.‏

وإن كان المضحّي غنيّاً، وفات وقت الأضحيّة، تصدّق بثمنها، اشتراها أو لا، لأنّها واجبة عليه، فإذا فات وقت القربة في الأضحيّة تصدّق بالثّمن إخراجا له عن العهدة‏.‏

وجاء في نهاية المحتاج‏:‏ الأضحيّة سنّة، ولكنّها تجب بالالتزام، كقوله‏:‏ جعلت هذه الشّاة أضحيّة كسائر القرب‏.‏ وفي تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطّاب‏:‏ الالتزام المطلق يقضى به على الملتزم، ما لم يفلّس أو يمت أو يمرض‏.‏

وقال ابن رشد في نوازله فيمن عزل لمسكين معيّن شيئاً، وبتّله له بقول أو نيّة، فلا يجوز له أن يصرفه إلى غيره، وهو ضامن له إن فعل‏.‏ ولو نوى أن يعطيه ولم يبتّله له بقول ولا نيّة كره له أن يصرفه إلى غيره‏.‏ ومعنى بتّله‏:‏ جعله له من الآن‏.‏

وفي الفواكه الدّواني‏:‏ من أخرج كسرة لسائل فوجده قد ذهب لا يجوز له أكلها، ويجب عليه أن يتصدّق بها على غيره، كما قاله مالك‏.‏ وقال غيره‏:‏ يجوز له أكلها، وقال ابن رشد‏:‏ يحمل كلام غير مالك على ما إذا أخرجها لمعيّن، فيجوز له أكلها عند عدم وجوده أو عدم قبوله، وحمل كلام مالك على إخراجها لغير معيّن، فلا يجوز له أكلها بل يتصدّق بها على غيره، لأنّه لم يعيّن الّذي يأخذها‏.‏

وفي القواعد الفقهيّة لابن رجب‏:‏ الهدي والأضحيّة يتعيّنان بالتّعيين بالقول بلا خلاف‏.‏

وفي تعيينه بالنّيّة وجهان، فإذا قال‏:‏ هذه صدقة، تعيّنت وصارت في حكم المنذورة، وإذا عيّن بنيّته أن يجعلها صدقة - وعزلها عن ماله - فهو كما لو اشترى شاة ينوي التّضحية‏.‏

د - النّذر‏:‏

33 - النّذر بالقرب والطّاعات يجعلها واجبة‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ النّذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة‏.‏

وفي فتح العليّ المالك‏:‏ النّذر المطلق‏:‏ هو التزام طاعة اللّه تعالى بنيّة القربة‏.‏

هـ - استدعاء الحاجة‏:‏

34 - قال ابن رجب في قواعده‏:‏ ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان - ولا ضرر في بذله لتيسّره، وكثرة وجوده - أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجّانا بغير عوض في الأظهر، ومن ذلك وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضرّ، واختار بعضهم وجوب بذل الماعون، وهو ما خفّ قدره وسهل ‏(‏وجرت العادة ببذله‏)‏، ومنها‏:‏ المصحف تجب إعارته لمسلم احتاج القراءة فيه‏.‏ وفي حاشية الصّاويّ على الشّرح الصّغير‏:‏ العاريّة مندوبة، وقد يعرض وجوبها، كغنيّ عنها لمن يخشى بعدمها هلاكه‏.‏

وفي القرض قال‏:‏ القرض مندوب، وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك‏.‏

و - الملك‏:‏

35 - الأصل في العتق أنّه مندوب مرغّب فيه، لكن يكون واجباً على من ملك أصله أو فرعه، حيث يعتق عليه بنفس الملك‏.‏

أسباب منع التّطوّع

36 - يمنع التّطوّع لأسباب متعدّدة، منها‏:‏

أ - وقوعه في الأوقات المنهيّ عنها‏:‏

37 - التّطوّع بالعبادة في الأوقات الّتي نهى الشّارع عن وقوع العبادة فيها ممنوع، كالصّلاة وقت طلوع الشّمس أو غروبها أو عند الاستواء، لحديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه قال‏:‏ «ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ، أو أن نقبر فيهنّ موتانا‏:‏ حين تطلع الشّمس بازغة حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس، وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب»‏.‏

ومثل ذلك التّطوّع بالصّوم في أيّام العيد والتّشريق، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين‏:‏ يوم الفطر، ويوم النّحر»‏.‏

وينظر في صحّة ذلك وتفصيله‏:‏ ‏(‏أوقات الصّلوات - صلاة - نفل - صوم‏)‏‏.‏

ب - إقامة الصّلاة المكتوبة‏:‏

38 - يمنع التّطوّع بالصّلاة إذا شرع المؤذّن في الإقامة للصّلاة، أو تضيّق الوقت بحيث لا يتّسع لأداء أيّ نافلة‏.‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أوقات الصّلاة، نفل‏)‏‏.‏

ج - عدم الإذن ممّن يملك الإذن‏:‏

39 - من يتوقّف تطوّعه على إذن غيره لا يجوز له أن يتطوّع إلا بعد الإذن له، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تتطوّع بصوم أو اعتكاف أو حجّ إلا بإذن زوجها، ولا يصوم الأجير تطوّعا إلا بإذن المستأجر إذا تضرّر بالصّوم، ولا يجوز للولد البالغ الإحرام بنفل حجّ أو عمرة أو نفل جهاد إلا بإذن الأبوين‏.‏

وهذا في الجملة، وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏نفل، صلاة، صوم، حجّ، إجارة، أنثى‏)‏‏.‏

د - الإفلاس في الحجر بالنّسبة للتّبرّعات الماليّة‏:‏

40 - من أحَاط الدّين بماله فإنّه يمنع شرعا من التّصرّف في أيّ وجه من وجوه التّبرّع كالصّدقة والهبة، وهذا بعد الحجر باتّفاق، أمّا قبل الحجر ففيه اختلاف الفقهاء ‏(‏ر‏:‏ حجر، تبرّع، إفلاس‏)‏‏.‏

وتمنع التّبرّعات المنجّزة - كالعتق والهبة المقبوضة والصّدقة وغير ذلك - إن زادت على الثّلث، وكانت التّبرّعات في مرض الموت، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه تصدّق عليكم قبل وفاتكم بثلث أموالكم»‏.‏

ويتوقّف نفاذ تلك التّصرّفات على إجازة الورثة بعد وفاة المورّث‏.‏ ومن وقف وقفاً مستقلاً، ثمّ تبيّن أنّ عليه دينا، ولم يمكن وفاء الدّين إلّا ببيع شيء من الوقف، وهو في مرض الموت، بيع باتّفاق العلماء‏.‏ ويمنع من التّبرّع أيضا من تلزمه نفقة غيره، بحيث لا يفضل شيء بعد ذلك‏.‏ جاء في المنثور‏:‏ القربات الماليّة كالعتق والوقف والصّدقة والهبة إذا فعلها من عليه دين، أو من تلزمه نفقة غيره ممّا لا يفضل عن حاجته، يحرم عليه في الأصحّ، لأنّه حقّ واجب فلا يحلّ تركه لسنّة‏.‏ وفي القواعد لابن رجب‏:‏ نصّ أحمد في رواية حنبل فيمن تبرّع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان‏:‏ أنّ لهما ردّه، ونصّ في رواية أخرى‏:‏ أنّ من أوصى لأجانب، وله أقارب محتاجون، أنّ الوصيّة تردّ عليهم‏.‏

فتخرج من ذلك أنّ من تبرّع، وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين - ليس له وفاء - لهما ردّه‏.‏ وكلّ هذا في الجملة وينظر في‏:‏ ‏(‏حجر، تبرّع، هبة، وقف، وصيّة‏)‏‏.‏

هـ - التّطوّع بشيء من القربات في المعصية‏:‏

41 - لا يجوز التّبرّع بشيء فيه معصية للّه تعالى، ومن أمثلة ذلك‏:‏

- لا تصحّ إعارة الصّيد لمحرم بالحجّ‏.‏ - لا تصحّ الوصيّة بما هو محرّم، كالوصيّة للكنيسة، والوصيّة بالسّلاح لأهل الحرب‏.‏

ولا الوصيّة ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الاتّفاق عليهما‏.‏

لا يصحّ الوقف على معصية، ولا على ما هو محرّم كالبيع والكنائس وكتب التّوراة والإنجيل‏.‏ ومن وقف على من يقطع الطّريق لم يصحّ الوقف، لأنّ القصد بالوقف القربة‏.‏

وفي وقف ذلك إعانة على المعصية‏.‏ وهذا كلّه في الجملة‏.‏

وفي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في‏:‏ ‏(‏الوقف، والوصيّة، والهبة، والتّبرّع‏)‏

ثالثاً‏:‏ ما يخصّ غير العبادات من أحكام التّطوّع

الإيجاب والقبول والقبض‏:‏

42 - من التّطوّعات ما يحتاج إلى الإيجاب والقبول، وذلك في عقود التّبرّعات، مثل العاريّة والهبة والوصيّة لمعيّن، وكذا الوقف على معيّن - مع اختلاف الفقهاء في ذلك، واختلافهم في اشتراط القبض أيضا - وتفصيل ذلك فيما يأتي‏:‏

أ - العاريّة‏:‏

43 - الإيجاب والقبول ركن في عقد العاريّة باتّفاق الفقهاء، وقد يحلّ التّعاطي محلّ الإيجاب أو القبول‏.‏ والقبض لا يمنع الرّجوع في العاريّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، لأنّها عقد غير لازم عندهم، وللمعير الرّجوع في العاريّة في أيّ وقت، سواء أقبضها المستعير أم لم يقبضها، ويقولون‏:‏ إنّ المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير، لأنّها تستوفى شيئا فشيئا، فكلّما استوفى شيئا فقد قبضه، والّذي لم يستوفه لم يقبضه، فجاز الرّجوع فيه، إلّا أن يكون الرّجوع في حال يستضرّ به المستعير، كإعارة أرض لزراعة أو دفن ميّت‏.‏ وهذا في الجملة عندهم، وينظر تفصيله في‏:‏ ‏(‏عاريّة‏)‏‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فالإعارة عقد لازم عندهم، فهي تفيد تمليك المنفعة بالإيجاب والقبول، ولا يجوز الرّجوع فيها قبل المدّة المحدّدة، أو قبل إمكان الانتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة‏.‏ وهذا في الجملة كذلك‏.‏

ب - الهبة‏:‏

44 - الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتّفاق الفقهاء‏.‏

أمّا القبض فلا بدّ منه لثبوت الملك، وذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة، لأنّ الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرّع شيء لم يلتزمه، وهو التّسلّم، فلا تملك بالعقد بل بالقبض، لما روي عن عائشة رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت‏:‏ «إنّ أبا بكر الصّدّيق كان نحلها جادّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة‏.‏ فلمّا حضرته الوفاة قال‏:‏ واللّه، يا بنيّة ما من النّاس أحد أحبّ إليّ غنى بعدي منك، ولا أعزّ عليّ فقراً بعدي منك، وإنّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقاً، فلو كنت جدّدتيه واحتزتيه كان لك، وإنّما هو اليوم مال وارث»‏.‏

وما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة هو رأي بعض الحنابلة‏.‏ قال المجد بن تيميّة في شرح الهداية‏:‏ الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض، وكذا صرّح ابن عقيل الحنبليّ‏:‏ أنّ القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها، وكلام الخرقيّ يدلّ عليه‏.‏ والرّأي الآخر للحنابلة‏:‏ أنّ الهبة تملك بالعقد، فيصحّ التّصرّف من الموهوب له فيها قبل القبض، كذا في المنتهى وشرحه، وهو الّذي قدّمه في الإنصاف‏.‏ وعلى رأي الحنفيّة والشّافعيّة، ومن رأى رأيهم من الحنابلة‏:‏ يجوز الرّجوع فيها قبل القبض، لأنّ عقد الهبة لم يتمّ‏.‏ ولكنّه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة، خروجاً من خلاف من قال‏:‏ إنّ الهبة تلزم بالعقد‏.‏ وعند المالكيّة‏:‏ تملك الهبة بالقبول على المشهور، وللمتّهب طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم، ليجبره على تمكين الوهوب له منها‏.‏ لكن قال ابن عبد السّلام‏:‏ القبول والحيازة معتبران في الهبة، إلا أنّ القبول ركن والحيازة شرط‏.‏ أي في تمامها، فإن عدم لم تلزم، وإن كانت صحيحة‏.‏ على أنّ الهبة لو تمّت بالقبض، فإنّه يجوز الرّجوع فيها عند الحنفيّة إن كانت لأجنبيّ، أي غير ذي رحم محرم، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها» أمّا عند الجمهور فلا يجوز الرّجوع فيها بعد القبض، إلّا الوالد فيما يهب لولده فإنّه يجوز له الرّجوع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «العائد في هبته كالعائد في قيئه»‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

ج - الوصيّة لمعيّن‏:‏

45 - من أركان الوصيّة الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى له المعيّن، لكنّ القبول لا يعتبر إلّا بعد موت الموصي، ولا يفيد القبول قبل موته، لأنّ الوصيّة عقد غير لازم، والموصي يملك الرّجوع في وصيّته ما دام حيّاً، وبالقبول يملك الموصى له الموصى به، ولا يتوقّف الملك على القبض، وهذا عند الحنفيّة - غير زفر - والمالكيّة، والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ أمّا عند زفر فركن الوصيّة هو الإيجاب فقط من الموصي، ويثبت الملك للموصى له من غير قبول كالإرث‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

د - الوقف على معيّن‏:‏

46 - الإيجاب ركن من أركان الوقف، سواء أكان على معيّن أم لم يكن‏.‏ أمّا القبول‏:‏ فإن كان الوقف على معيّن فإنّه يشترط قبوله، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏.‏

وعند الحنابلة‏:‏ لا يفتقر الوقوف على معيّن إلى القبول، لأنّه إزالة ملك يمنع البيع، فلم يعتبر فيه القبول كالعتق، أمّا القبض فليس بشرط عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف، وعند المالكيّة ومحمّد‏:‏ القبض شرط‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في ‏(‏وقف‏)‏‏.‏